الاثنين، 15 أكتوبر 2012


سنن أبي داود (2/ 325) 2438 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَمُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ» يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» __________ [حكم الألباني] : صحيح والعمل الصالح في هذه الأيام يعدل هذا الأجر لأن فاعله يشارك الحجيج في عبادتهم ، وهو متعرض لفتنة الأهل ومخالطة الناس ، فهو في هاد عظيم لنفسه في طاعة الله وترك معاصيه ابتغاء وجهه ومشاركة منه لأهل طاعته ؛ فلأجل ذلك يفوز بمثل أجر الحاج في مغفرة الذنوب. والعمل الصالح في هذه الأيام يشمل جميع أعمال الخير من صلاة الجماعة وقيام الليل وصيام النفل والإكثار من الصدقة وصلة الرحم والإحسان إلى الأهل والأقارب والجيران والصلح بين المسلمين والدعوة إلى الله وتلاوة القرآن وترك المحرمات من إطلاق البصر وسماع الباطل ولغو الحديث والكذب والغية والنميمة وأكل أموال الناس بالباطل ونحو ذلك.

الأربعاء، 10 أكتوبر 2012

دروس وخطب أ د / عبد الحميد هنداوي

تم رفع العديد من خطب ودروس د عبد الحميد على العديد من المواقع تشمل

برنامج بلاغة القرآن 26 حلقة قناة صفا

برنامج يا أمتي سبق على قناة الحافظ

برنامج في خدمة القرآن يوم الثلاثاء أسبوعيا 11ونصف م على قناة الحافظ

حلقات متفرقة على الخليجية والصحة والجمال والتعليم العالي

استعلم على جوجل وحمل الموجود

وأكون شاكرا لمن يتبرع برفع باقي الحلقات وخاصة برنامج قناة الحافظ الأسبوعي على بعض المواقع ويعلمني بذلك

كتب وتحقيقات د/ عبد الحميد هنداوي

تم إنزال بعض كتب وتحقيقات د/ عبد الحميد هنداوي على بعض المواقع مثل كتاب شرح الطيبي 13 مجلد ، والمحكم والمحيط الأعظم 11 مجلد والمخصص 9 مجلدات . استعلم بواسطة جوجل وانتفع ولا تنسني من دعائك

رسالة إلى أهل الفن د/ عبد الحميد هنداوي


الفن - رسالة الفن - أهل الفن - الفنانين والفنانات رسالة إلى أهل الفن أهل الفن ! هذه رسالة من محب رفيق ، يراكم أرهفَ الناس حسًّا ، وأرفعَهم ذوقا ، وأرقَّهم مشاعر. غالى في مدحكم الهائمون ، وتفانى في عشقكم المغرمون ،ونزهكم أحباؤكم وعشاقكم عن كل مثلبة ونقص ؛ فأنتم عندهم ملائكة مكرمون ، تحلِّقون في علياء المجد ، وتجدُّون ليلكم ونهاركم لا تفترون. وظلمكم أناس آخرون فوصفوكم بكلِّ إثم وفسق ، وكلِّ ضلالة وإفك ، وجعلوكم أهلَ فاحشة وعُهر ؛ بل غالى بعضهم فرماكم بزندقة وكفر. والحقُّ أنكم أناسٌ كسائر البشر ، فيكم أهلُ الحقِّ ، وأصحابُ الضلال، وأهلُ البغي ، وأربابُ الاعتدال، وفيكم ذوو القلوب الرفيقة الرقيقة ،وطائفةٌ من ذوي القلوب القاسية المتحجرة الغليظة . وليس أدلَّ على ذلك من رجوع فريق منكم إلى الحقِّ إذا تفكَّر فيه وتأمَّل ، واستبان له وجهُ الهدى فركب له الصعاب وتحمَّل. ولذلك ؛ فليس من الحكمة والعدل والإنصاف المسارعةُ إلى رميِّكم بالإفك والضلال ، والفاحشة والانحلال ، قبل إنصافكم وسماع مقالتكم وحجتكم ، وعرض أقوالكم وأعمالكم على كتاب الله وسنة رسوله ^ ، وعلى من يوثق بدينه وحكمته من أهل العلم الثقات ،المعروفين بالصدق والأمانة والصلاح والثبات. وقد فعلت ذلك فاستمعت إلى جُلِّ حججكم ومقالاتكم ،فوجدت أن أغلب تلك الحجج تدور على أن للفن رسالة تهدف إلى الرقي بالمجتمع ، وهذه مقالة أغلب أهل الفن – إن لم تكن مقالة جميعهم – حتى أكثر الناس فيهم اتهاما بتقديم أدوار الفحش والعري والإغراء - إنما يدَّعون ذلك . وثمة فريق آخر منهم يرى أنه لا غاية للفن سوى الإمتاع والترفيه ؛ فليس من غايته تقديم رسالة ما ، أو الانتصار لدين أو عقيدة أو قيم بعينها ، أو الاضطلاع بمهمة إصلاح المجتمع أو غير ذلك ، وهؤلاء إنما يرفعون شعار المدرسة الأمريكية "الفن للفن". وفي سبيل تلك الغاية ، وهي الإمتاع والترفيه يبيح هؤلاء لأنفسهم كلَّ سبيل يحقق تلك الغاية من تدنٍّ وإسفاف وعري وعهر وفجور وغير ذلك باسم الواقعية تارة ، وباسم حرية التعبير تارة أخرى . وسوف نبدأ بمشيئة الله تعالى في مناقشة الفريق الأول ثم ، نعرج على الفريق الثاني بعد ذلك . ولم يعدم أصحاب الرأي الأول – رسالة الفن - هؤلاء من تأييد نفر ممن ينتسبون إلى العلم ، أو يمتون إليه بصلَّة ؛ يبررون لهم ما يقدمونه من عري وإثارة للغرائز بدعوى أن ذلك قد يكون مقبولا إذا جاء في سياقه غير مفتعل ولا متكلف بحيث يعبر عن اللحظة والموقف ، ويجسِّد واقعية الفن وصدقه في عرض قضايا المجتمع وهمومه ومشاكله بهدف تسليط الأضواء عليها لمناقشتها وتقديم الحلول لها – لا بهدف الإثارة والإغراء ، وقد يستدلون لهم في ذلك بحديث :"إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى" ولما تأملت حججكم ومقالاتكم ، وعرضت ما فيها على كتاب الله وسنة رسوله ^ بغية إنصافكم ، وراجعت أهل العلم الثقات ، وأربابه ذوي الصلاح والثبات حتى أوقن أني لم أضل بفهم فهمته بهوى دون بينة ولا هدى – تبين لي أن ثمة طائفة من هؤلاء هم صادقو النية ، راغبون في الإصلاح ، ولذلك تراهم يحرصون على تقديم ما هو مفيد لمجتمعاتهم ، ويعمل على النهوض بها ، وهم منسجمون مع غايتهم بقدر الإمكان ، يتحاشَون التدنِّي بأنفسهم في أدوار هابطة ، أو الظهور في مشاهدَ خليعة ، وإن كانوا لم يستطيعوا أن يصلوا في ذلك إلى تمام الواجب عليهم لما يحول بينهم وبين فعل ما ينبغي - غلبة أهل الباطل على زمام الأمور. وهذه الطائفة الشريفة من أهل الفن هي من نناشد فيهم التمسك بشرف الغاية ، وما تقتضيه تلك الغاية الشريفة من عمل شريف مستقيم ، لا اعوجاج فيه ولا زيف ولا خداع ، فلا يلبس فيه الحق بالباطل ، ولا يعرض فيه الفحش والفجور باسم الفن ورعاية الفضيلة. وإزاء هؤلاء طائفة كبيرة من أهل الباطل قد زيَّن لهم الشيطان أعمالهم ، فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون ؛ حيث صوَّر لهم الباطل في صورة الحق ، والفساد والإفساد في الأرض في صورة الإصلاح ، قال تعالى :" وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ (12)" البقرة. وهؤلاء هم المنافقون الذين مرضت قلوبهم :" فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)" واعتلال قلوبهم ومرضها جعلهم لا يشعرون ولا يميزون الأمور على حقيقتها ؛ فصاروا يرون الفساد صلاحا ، والصلاح فسادا ، والإيمان سفاهة وجهلا وتطرفا .. إلخ ما ينعتون به المؤمنين الناصحين لهم. ولو قد بقي لدى هؤلاء بقية من عقل أو قلب أو شعور لأدركوا به فساد أعمالهم ، ولرجعوا على أنفسهم بالتوبيخ والتأنيب ، لولا غلبة الهوى والتعلِّق بالأعراض الدنيوية الزائلة من المال والجاه والشهوات ، ولولا تزيين شياطين الإنس والجن لهم ما هم فيه بما يوحونه لهم من زخرف القول ، قال تعالى:" وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) الأنعام أفلا يرجع هؤلاء إلى عقولهم فيسألون أنفسهم : أي رسالة تقدمونها للناس غير تلك الرسالة الهابطة المكررة ، وهي الإلحاح على سيطرة الشهوة والغريزة على الإنسان ؟! وما مرادكم من ذلك ؟ هل تريدون تنبيه الإنسان إلى خطر ما ركِّب فيه من الشهوة والغريزة ؟ فهل ترون في الوجود من هو غافل عن ذلك ؟ غير مدرك لما ركِّب فيه من تلك الشهوة التي توقظون نداءها فيه بالليل والنهار ؛ فهي تلحّ عليه ، وهو لا يجد لتلبيتها سبيلا مشروعا ، إلا ما ترسمون له من سبل الغواية والضلال ونصب شباك الهوى لكل ساذجة غافلة؟! واسألوا أنفسكم - بالله عليكم – هل سبيلكم في عرض ذلك وبيانه سبيل المحذِّر والمبين لسوء العاقبة ، أم سبيل من يغري بالشيء ويحثّ عليه ، وقديما قال القائل: دع عنك لومي فإن اللوم إغراءُ وداوني بالتي كانت هي الداءُ فوالله لو كان ما تبثونه وتكررونه على مسامع الشباب - بالليل والنهار لوما لهم على انحرافهم وضلالهم في أمر الغريزة لكان ذلك إغراء بها وحثًّا عليها وتهييجا لها. فما بالكم وأنتم لا تعرضون ذلك عرض المحذِّر ولا المبين سوء العاقبة ؛ بل تعرضون ذلك عرض البطولة والفتوّة والتفوق على الأقران ؛ فنموذج الفتى الذي تتطلع إليه عيون الغواني، وتشرئب إليه أعناق الحسان ، هو من كان له قدرة على سلب عقولهن وقلوبهن بمعسول الكلام ، متفننا في إظهار العشق والغرام ، فهو يرمي ببصره فتصيب السهام . فيالله كم زينتم لكثير من الشباب أن ميزان رجولته بمقدار ما يوقع من الفتيات في حبائل العشق والغرام. ويالله كم زينتم لكثير من الفتيات أن ميزان حسنها وجمالها إنما يقاس بعدد من أوقعت من الشباب والرجال في عشقها وغرامها. بل قد تقرر لدى كثير من الفتيات – إن لم يكن لدى جميعهن – أنها لا تكون فتاة طبيعية إلا إذا كان لها عشيق أو أكثر يرافقها في ذهابها ومجيئها ، حتى إنها لتفخر بذلك أمام قريناتها ، وترفع بذلك خسيستها. ولم يقف الأمر عند الرغبة في شريك للحياة برباط شرعي ؛ بل قد تعدى ذلك للرغبة في إثبات الذات (رجولة أو أنوثة)بوجود عشيق أو عشيقة . والعجب كلُّ العجب أن يعتقد هؤلاء الشباب أنه لا يرتكب فاحشة ولا إثما ، ما دامت تلك الفتيات تأتيه بمحض إراداتهن. وأن تعتقد تلك الفتيات كذلك أنها لا ترتكب فاحشة ولا عيبا ما دامت قادرة على الحفاظ على عفَّتها أي على بكارتها –في زعمها – حيث قد تلخص مفهوم العفة لدى كثير من هؤلاء – في هذا الزمان – في الحفاظ على البكارة – ليس إلا . أما ما دون ذلك من مسٍّ وتقبيل واحتضان و...و...وجميع ألوان المعاشرة التي لا تفض البكارة فهي من الشطارة والمهارة ، وتدل على التفتح والتمدن ، وعلى أن تلك البنت – أقصد المرأة – هي رجل في الحقيقة لأنها قادرة على الحفاظ على نفسها – أقصد بكارتها طبعا – أمام الرجال ، وهذا وهم سرعان ما يتبدد ، ثم تعضُّ تلك المتهتكة أصابع الندم ، ثم لا تلبس ، إما أن تنطوي على نفسها ، وتصير ناسكة عابدة بعد فوات الأوان ، وإما أن تزداد تهتكا وفجورا ؛ حيث زال ما كان يمنعها من إكمال مسيرتها في سبيل الفجور كي تصبح عاهرة بامتياز. لم أخرج عن موضوعي ، وهو رسالتي إلى أهل الفن ، فتلك النتيجة المحتومة إنما هي بلا شك أثر من آثار تقليد تلك الممثلات اللاتي مثلن أدوار الشرف والفضيلة ، وهي طوال تلك القصص والأفلام تعرف كثيرا من الشباب ، أو تختلي بأحدهم ويعيشان معا قصة حب طاهر عفيف بريء ليس فيه من الفاحشة شيء ؛ بل ليس من شيء إلا الأحضان والقبلات البريئة ؛ بمعنى أنها قد خرجت من تلك التمثيلية الموهومة دون أن تفقد عذريتها. فتأتي الفتيات المخدوعات وتقلدن تلك الأدوار ظانَّة أنها ستنجو في النهاية مثل بطلة الفيلم ، وفاتها أن ذلك أمر بيد المخرج ، ولكن المخرج – في قصة تلك الفتاة هو الممثل نفسه لدور البطولة – وهو مخرج سوداوي تراجيدي لا يرضى إلا بالنهاية الحزينة. ولقد تعجبت حينما سمعت من قريبات لي في سن الدراسة أن بعض زميلاتهن تذهب إلى شقق بعض الشباب ، وأنها تزعم أنها – مع ذلك كلِّه – لا تزال عفيفة شريفة – أي تزعم أنها لا تزال ببكارتها ، وهذه – إن صدقت إما أنها لا تزال في أول الطريق ؛ فهي لا تزال تستدرج لما هو أعمق ، وإما إنها كاذبة حانقة على العفيفات البريئات تحاول خداعهن لإيقاعهن في مثل ما وقعت فيه. ثم من لم تقلد – في سلوك سبيل العشق والفجور – تراها تقلد هاتيك الفنانات – في أهون الأمر –في ملابسهن الفاتنة المكشوفة ، أو في طرقهن في إبراز مفاتنهن بطرق التجميل ووسائله المبتكرة. ولذا أسألك أيتها الفنانة الفاضلة أما سألت نفسك بأي حق اجترأت على حرمات الله ؟ ولأي ضرورة كشفت عورتك ومفاتنك لخلق الله ؟بتلك الملابس والزينات والزخارف. ولأي ضرورة سمحت لنفسك أن تنامي عارية في أحضان رجل ليس بمحرم لك – ولو كان محرما ما جاز ذلك ؛ فقد أمر النبي ^ بالتفريق بين الأولاد في المضاجع ، وهم إخوة أشقاء ، فما بالك تنامين عارية في أحضان من لا يمت لك بصلة تتقلبان على سرير واحد ، يعلوك مرة ، وتعلينه أخرى. ودعيني أسألك هل تؤمنين بالقرآن ؟ وبكلام النبي ^ ؟ فقد جاء فيهما الأمر بغض البصر عن العورات من الرجال والنساء ، فلأي ضرورة أو مصلحة تخالفين حكم الله وحكم رسوله ^ في ذلك؟! وإذا أقررت بذلك أقررت بأن كل من ينظر إلى الحرام فهو آثم ، وإذا كان كذلك ؛ فإن المتسبب في المعصية ينال من الإثم مثل آثام وذنوب من تسبب في تأثيمهم ، فاسألي نفسك ، وسل نفسك أيها البطل يا من تمثل الفاحشة عيانا : كم من ملايين البشر قد نظروا إلى تلك المشاهد ورأوا تلك العورات ، وكم من الناس قد أثموا لذلك وتحملتم آثامهم؟! وإذا كان الطبيب يباح له النظر إلى عورة المريضة لضرورة العلاج ؛ فأي ضرورة تبيح لكم كشف تلك العورات ، وتبيح للناس الاطلاع عليها؟! ما أراكم إلا تتخذون آيات الله هزوا ؛ فتقولون يباح لنا ذلك لضرورة وعظهم ، ويباح لهم ذلك لضرورة الاتعاظ. فأقول لكم : وهل لا يتم الاتعاظ إلا بتلك الطريقة الهابطة؟! ثم أسألكم : كم من البشر قد رأى تلك الأجساد العارية والمشاهد المخزية فأثر ذلك فيه بالابتعاد عن الفاحشة والحذر منها؟ وهل بهذا التهييج والإثارة تنفع الموعظة وتنجع أم بترقيق القلوب وتذكيرها بالله تعالى والآخرة ؛ ففي حديث العرباض بن سارية : "وعظنا رسول الله ^ موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون..الحديث. بل إن العكس صحيح لقد رأى ذلك ملايين البشر فأثرت – على الأقل – في الآلاف منهم بإثارة الرغبة في التقليد ، وتأجيج الشهوة للفعل الحرام حيث لا يستطيع تصريف شهوته في الحلال لما تعلمون من ضيق الحال. وهناك دراسات لأسباب الجريمة تؤكد أن من أسباب كثير من حوادث الاغتصاب أو القتل أو السرقة هو الرغبة في تقليد دور البطل الفلاني أو البطلة الفلانية في فيلم كذا ، أو في مسلسل كذا. بل لقد ذكرت لنا إحدى الطبيبات الثقات أن أكثر من فتاة قد هرعت إليها تشكو أنها قد قامت بافتضاض نفسها دون شعور منها من خلال ممارسة سرية خاطئة اشتعلت فيها رغبتها عند خلوتها بمشاهدة بعض المشاهد التي يسمونها (حميمية) في أفلام عربية. وتذكر إحدى الإحصائيات العلمية أن أكثر أسباب الممارسات الجنسية الخاطئة بدءا من العادة السيئة عند الشباب من الجنسين ، وانتهاء بزنا المحارم ، فضلا عن إتيان الخادمات أو الجارات أو الزميلات في العمل أو الدراسة يرجع في الأغلب إلى اشتعال الغريزة برؤية تلك المشاهد الماجنة ، مما يسبب أحد أمرين : 1- الهياج الطائش المدمر الذي يتولد منه الظمأ الشديد للمارسة الجنسية تلبية لاشتعال الغريزة. ومثل هذا إذا بلغ هذه الحال فلا فهو مثل الجائع الذي يتضور جوعا ، أو الذي يلهث عطشا ؛ فلا يجد شيئا يسكت جوعته ، أو ينقع غلته إلا التهمه لا يبالي . فكم سمعنا وقرأنا – عافى الله الجميع – عن شباب اشتدت غلمته لتلك المشاهد فصار كالثور الهائج لا يردُّه شيء فلربما ثار – والعياذ بالله – فأصاب أخته أو أمه ، أو انتهز خلوة من بنت جارته فأصابها . ولكم قرأنا في أخبار الحوادث عمن اغتصب عجوزا في السبعين ، أو طفلة دون الخامسة ، ومعلوم أن مثل هاته العجوز ، أو تلك الطفلة لا يشتهى في الغالب عند ذوي الفطر المستقيمة ؛ فلم يبق لذلك سبب إلا اشتعال الشهوة ، واحتدام نار الغريزة بمثل تلك المشاهد المثيرة ، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله. أما الأمر الثاني الذي تسببه تلك المشاهد فهو : 2- الكبت الشديد المؤقت الذي ينتهي بأحد أمور ثلاثة: أ‌- محاولة الخروج من حالة الكبت بأي ممارسة جنسية طائشة كحال ذلك الهائج. ب‌- الدخول في حالة من الاكتئاب الشديد ، أو الذِّهان المرضي ، أو الفصام الذي يعرف بــ(شيزوفرينيا) كنوع من الرفض لذلك الواقع الأليم. ت‌- الفرار باللجوء إلى الله ،والتمرغ على أعتابه ، والاعتصام بجنابه مرددا قول يوسف -عليه السلام- " رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ "( يوسف :33) وصاحب هذه الحالة الأخيرة إما أن يوفق لسبيل رشد وهداية وسنة مستقيمة بلا إفراط ولا تفريط ، وإما أن يتلقفه طائش متهور ناقم مثله على ما في المجتمع من فساد وضلال فلا يكون إلا الاعتداء والعدوان والإفساد باسم الدين. وهذه كلُّها بعضُ آثار تلك المشاهد الضارة ، وإلا فآثار تلك المشاهد وخيمة نعدد بعضها ولا نستوعبها: 1- ما ذكرناه من إثارة الشباب مما يحدث هياجا لا تحمد عقباه. 2- تقليد الشباب لتلك القصص الغرامية المعسولة مما يؤدي لمفاسد عديدة. 3- تقليد الفتيات لممثلات تلك المشاهد في زيهن وزينتهن وخلاعتهن وتميعهن وخضوعهن بالقول مما يُطمع فيهن من الرجال من في قلبه مرض ، كما قال تعالى " فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا" (الأحزاب :32) مما يعرضهن للوقوع فريسة للذئاب. 4- إغراء الشباب بتمثيل دور البطولة المزعومة لإيقاع ضعاف القلوب والعقول من البنات والنساء. 5- إغراء الفتيات بتمثيل دور المحبوبة المعشوقة ، وفي ذلك ما فيه من التردي في هاوية سحيقة من الانحراف الخلقي ، وضياع العفة والشرف والفضيلة. 6- فساد الشباب وضياع أعمارهم وأوقاتهم سدى. 7- وقوع طائفة من الشباب في براثن التطرف والرغبة في الانتقام . 8- تعرض كثير من الشباب لنوبات شديدة من الاكتئاب والرغبة في الانتحار لاطلاعه وتطلعه إلى ما هو محروم منه وغير قادر على تحصيله في هذا الواقع الأليم ؛ مما يعود عليه بألم وحسرة شديدين. 9- تعرض كثير من الفتيات لنوبات شديدة من الاكتئاب والرغبة في الانتحار كذلك لاعتقادها بدمامتها قياسا لما تشاهده من الجمال الزائف في الغالب لكثير من الممثلات التي يكون لوسائل التزيين وفنونه الحديثة وكذلك وسائل التصوير وتقنياتها الحديثة أكبر الأثر في إظهار تلك الممثلات بتلك الصورة الفاتنة . 10- تعرض كثير من الزوجات وربات البيوت لمثل تلك النوبات الشديدة من الاكتئاب والرغبة في الانتحار كذلك لاعتقادها بدمامتها قياسا لذلك الجمال الزائف لتلك الممثلات ، ويرسخ ذلك الاعتقاد استحسان الزوج لتلك الممثلات ، وعدم قدرته على إخفاء مشاعره باستحسانهن والتلهف على جمالهن أمام زوجته. 11- اكتئاب كثير من الأزواج ، وفشله في إقامة علاقة حميمية سعيدة مع زوجته ؛ نظرا لأن نموذج تلك الجميلات الزائفات لا يزال مخيما على مخيلته لا يرضى به بديلا ، ولا يتحقق له الإشباع النفسي بدونه؛ ومن ثم لا يكون قادرا على التكيف مع امرأته التي يراها دون نموذج النساء اللاتي مثلن في مخيلته ، وجثمن في سويداء قلبه ، ولو أنه أتاح لامرأته عشر ما يتاح لهاتيك الممثلات من وسائل الزينة والزخرف وفنون العرض لعلها قد تفوقهن جمالا ، وتقع في نفسه موقعا قد ينافس هاتيك الجميلات الزائفات. 12- ويترتب على ذلك انهيار كثير من البيوت التي كان من الممكن أن تكون آمنة مستقرة كما كانت بيوت آبائنا وأمهاتنا من قبل ممن لم يطلعن على مثل ما نطلع عليه اليوم من تلك الفتن التي لم تترك بيتا إلا دخلته إلا ما رحم ربي. وذلك حيث يصل الأمر إلى حالة من المقت الشديد بين الزوجين ؛ فالزوج يمقت زوجته لكونها لم تحقق له ذلك النموذج النسائي الراكد بخياله. والمرأة تكره زوجها لعدد من الأسباب : الأول : لأن الزوج لم يحقق لها ذلك النموذج الزائف الذي عرفته لفتى الشاشة . الثاني : لأن الزوج قد بدت عليه أمارات البغضاء لها لمقارنته إياها بغيرها من الجميلات الزائفات. الثالث : وقد نتج عن الثاني عدم قدرة الزوج على التكيف مع زوجته ، وتحقيق أدنى درجة من الإشباع العاطفي لها. وبعد ذلك كله دعوني أوافق هذا الفريق الذي يبرر كل مفاسد الفن والفنانين بحجة أن للفن رسالة ؛ فأقول لهم : أوافقكم في ذلك تمام الموافقة ؛ فالفن ينبغي أن تكون له رسالة عظيمة في الرقي بأخلاق المجتمع ، وحلّ مشاكله وقضاياه. أما أن تكونوا _ أنتم _ قد أديتم تلك الرسالة ؛ فأقول لكم : الحق أنكم قد اتخذتم الفن رسالة ، ولكن الفنّ الحقيقي له رسالة ، وأنتم لكم رسالة أخرى قد عملتم على توصيلها لنا في بيوتنا ، وغرسها في عقول شبابنا وأبنائنا وبناتنا – بقصد أو بغير قصد – وهي أنه لا شيء في الحياة أعظم من الغريزة الجنسية، وكأنكم تؤكدون رسالة فرويد اليهودي أن غريزة الجنس هي أمُّ الغرائز ، وهي التي تحرك الإنسان فلأجلها يحيا ، ولأجلها يعمل ، ويكد ،ويكسب ، ويأكل ويشرب ، بل ويقاتل ويموت في سبيلها. وإذا كان فرويد صناعة يهودية ؛ فإن السينما التي طبقت نظرية فرويد - التي قصد بها إشاعة الغريزة والإلحاح عليها بهدف إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا – هي صناعة يهودية كذلك . والله تعالى يبشر هؤلاء وأعوانهم - ممن يعمل على تنفيذ مخططاتهم الإجرامية ، أو يساعد على تنفيذها بقصد أو غير قصد – يبشرهم بعذاب أليم في الدنيا والآخرة ؛ مبينا أن سبيلهم هو سبيل الشيطان ، وأن من يتبع سبيلهم إنما يتبع خطوات الشيطان الذي يأمر بالفحشاء والمنكر. قال تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20) يأيها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (النور:21) أما الفريق الثاني الذي يرى أنه لا غاية للفن سوى الإمتاع والترفيه ؛ فليس من غايته تقديم رسالة ما ، أو الانتصار لدين أو عقيدة أو قيم بعينها ، أو الاضطلاع بمهمة إصلاح المجتمع أو غير ذلك ، وهؤلاء هم الذين يرفعون شعار المدرسة الأمريكية "الفن للفن". وفي سبيل تلك الغاية ، وهي الإمتاع والترفيه يبيح هؤلاء لأنفسهم كلَّ سبيل يحقق تلك الغاية من تدنٍّ وإسفاف وعري وعهر وفجور وغير ذلك باسم الواقعية تارة ، وباسم حرية التعبير تارة أخرى . وهذه الحجج كما ترى قد بلغت درجة من السذاجة تغني عن الرد ِّ عليها فهي لا تنطلي إلا على أصحاب العقول الضعيفة الساذجة ، أو أصحاب القلوب المريضة الآثمة التي تملكها الهوى ، واستولت عليها الشهوات . فكل عاقل لا يرضى بإطلاق الحريات بلا قيد ؛ لأنه سيكون هو أول من يقع الضرر عليه ، ومثال ذلك ليس ببعيد ؛ فكلكم تذكرون ذلك الشيخ المأفون الذي رقَّ بزعمه لحال الشباب ، وما يعانونه اليوم من الحرمان من تصريف الغريزة بسبل مشروعة، واستمتاع كل جنس بالآخر ؛ فرأى أن ذلك يبيح لهم ارتكاب مقدمات الفاحشة وأوائلها دون نهاياتها ؛ فلا حرج على أحدهم من نظرة ومسٍّ وتقبيل ونحو ذلك ؛ أو هو من الصغائر التي يغفرها الله ؛ فلا حرج على من فعلها . ونسي ذلك المأفون الخرف أن الله يغفر الكبائر كذلك بالتوبة والاستغفار فهلا أباحها كذلك ؟ ونسي كذلك ما أجمع عليه أهل العلم من أنه "لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع استغفار" ؛ فصغر المعصية لا يبيح تعمد فعلها والإصرار عليها ؛ ففاعل ذلك قد يقارب استحلال المعصية فيكفر بذلك ؛ فمن استحل من المحارم شيئا صغيرا أو كبيرا كفر بإجماع الأمة. والشاهد من ذلك أن هذا الشيخ قد صار أضحوكة للناس ومزحة يتمازحون بها ؛ وجوزي من جنس عمله ؛ إذ قال له بعض مناظريه : " هلم أيها الشيخ أخرج لنا بناتك نفعل بها ما أحللت للناس أن يفعلوا ببنات غيرك ! أفلا تكون قدوة للناس فيما تدعو إليه؟ ولقد كان وقع ذلك شديدا عليه ؛ بل كان أبلغ الحجج في الرد عليه مما لم يفلح فيه معه جدال كثير . وبذلك يرد على من يبيح تقديم الفاحشة وعرض مشاهد العري والفراش والمعاشرة الجسدية على الناس لا يراعي حرمة بيوتهم ولا نسائهم وبناتهم وأطفالهم ، ولا يبالي بخدش الشعور ، ولا بإيذاء ذوات الخدور؛ ولكن لا يقال لأمثال هؤلاء أتقبل أن يقبِّل ممثل آخر زوجتك أو ابنتك أو أمك ؛ فأمثال هؤلاء لا يقال لهم ذلك لأنه قد انطمست فطرتهم ، وتجمدت في العروق دماؤهم ، أو قل إنها قد نضبت . بل لقد تحدث أحد التائبين من هذا المجال ، وقد كان يعمل في مجال الإخراج ؛ فذكر أن أحد الممثلين المشهورين - من أصحاب أدوار البطولة – قد حضر مشهدا تمثل فيه زوجته فدخل المكان فإذا زوجته يعلوها الممثل الآخر وقد استغرق في احتضانها وتقبيلها ؛ فإذا بهذا الممثل المشهور - زوج تلك البطلة يصرخ بأعلى صوته (stop!) وحينئذ ظن المخرج أن زوج الفنانة قد أخذته الغيرة والحمية لما يرى من اعتلاء الرجل زوجته وفعله بها ما يفعل من أحضان وتقبيل وغير ذلك ، فقال : ما ذا حدث يا أستاذ ...! فقال : ليس هكذا يكون التمثيل لهذا المشهد ينبغي أن يقبلها بحرارة أكثر !!! وحينئذ صفق له الحاضرون جميعا ، وقرر المخرج زيادة أجر الممثل الهمام . فهؤلاء قد انتكست فطرتهم ؛ ولكن إذا كانوا يؤمنون حقا أن الحريات مطلقة ، وكلُّ إنسان يفعل ما يلذُ له غير مبال بما يؤذي غيره ؛فنقول لهم إن من الناس من يرغب في اغتصاب نسائكم ، وقتل أطفالكم ، وأخذ أموالكم ..الخ فهلا مكنتموه من ذلك ؟! فإن قالوا ما هذه البلاهة والعتاهة كيف نسمح بما يضرنا ويؤذينا وينال منا ؟ بل إننا لا نرضى بأقل من ذلك ، ولو كان كلمة تحتمل عدم توقير واحترام لنا. قلت فارجعوا إلى أنفسكم وأنصفونا منكم في إيذائكم لنا في أهلينا وبناتنا وأطفالنا ؛ فإنهم يتأذون لذلك ، ونحن نتأذى لهم. أما دعوى الواقعية في الفن ، وتصوير الواقع بكل ما فيه ، مما يبيح لكم تصوير ما يدور في غرف النوم ، وحانات الخمر ، وبيوت الدعارة ، ونحو ذلك ؛ فيقال لكم - وليسامحنا القراء في ذلك - : "هلا صورتم قضاء الحاجة من غائط وبول على نحو مفصل ؟" "وهلا صورتم ما يكون في الحارات من السباب بأقذع الألفاظ؟" وغير ذلك من المشاهد والصور المؤذية المقذذة؟ بل يقال لكم : لم ارتأيتم أن تبقوا على العورات المغلظة في تصويركم فلا تكشفونها بالكلية ؟ أليس ذلك مما ينافي الواقعية ؟! فإن قالوا :إن في عرض ذلك الذي سألت عنه إسفافا وتدنيا! قلنا : والذي تعرضونه ، وتؤذون فيه مشاعرنا -في أنفسنا، وفي أهلينا وبناتنا وأطفالنا - إسفاف وتدنٍّ كذلك! وإن قلتم : إن هذا - الذي ذكرت – يأنف منه الناس ويشمئزون منه ! قلت :وكذلك الذي تعرضونه ، وتؤذون فيه مشاعرنا نأنف منه ونشمئز كذلك. فإن قلتم إن فيما نعرض إمتاعا للناس وإبهاجا لهم.! قلنا : إنه لا يمتع إلا من طمست فطرته ، وتعرّى من ثوب الحياء ! أما نحن فلا نستلذ بمثل ذلك ولا نستمتع به ؛ بل يسبب لنا أعظم الأذى -في أنفسنا، وفي أهلينا وبناتنا وأطفالنا . فإن قلتم إن ذلك يرجع إلى اختلاف الأذواق بيننا وبينكم ! وزعمتم أن في الناس جما غفيرا يأنس لما تقدمون ويستمتع به ويروقه ويعجبه . قلنا : فإن كان الأمر كذلك ، أن فطر كثير من الناس قد انتكست ، وأنكم قد غلبتم على ضعاف النفوس بباطلكم ، وزعمتم : أن اختلافنا معكم يرجع لفساد أذواقنا– في زعمكم واختلافها عما عليه سائر البشر – قلنا فليكن الحاكم بيننا وبينكم أحكم الحاكمين ، خالق البشر ، وخالق الفطر ، وهو الذي يعلم ما يصلحها ويفسدها. فراجعوا كتاب الله وسنة نبيه وأهل العلم العاملين به - إن كنتم تؤمنون بالله ورسوله – فستجدون أن الله قد أمر بستر العورات ،وغض الأبصار، وحفظ الفروج ،ومنع تلامس الرجال والنساء ،واختلاط أجساد بعضهم ببعض ، بل منع خضوع النساء بالقول ، والتميع فيه ، وأن يبدين زينتهن لغير محارمهن ، أو يضربن بأرجلهن ليعلم الرجال ما يخفين من زينتهن ، ونحو ذلك مما فصله الله تعالى في كتابه في سورة النور ، وبينه الرسول ^ في سنته. فإن أنكرتم أن يكون الله تعالى قد أمر أو نهى عن مثل ما ذكرنا ؛ فقد كفرتم لأن ذلك كلَّه واضح في كتاب الله تعالى ؛ فأنتم إنما تنكرون معلوما من الدين بالضرورة ، من ينكره يكفر بإجماع أمة الإسلام. وإما أن تقولوا إننا لا ننكر أن يكون الله تعالى قد نهى عن مثل تلك الأمور ؛ ولكننا نرى أن ذلك خاص بزمان نزول القرآن ، وهو غير زماننا هذا ! فنقول لهؤلاء : إن قائل ذلك لم يبعد عن الكفر كذلك لأنه قد زعم أن نصوص القرآن وأوامره ونواهيه إنما هي خاصة بزمان دون زمان ، أو بقوم دون قوم ، أو مكان دو مكان ، وقائل ذلك كافر بإجماع المسلمين . فعلماء الإسلام متفقون على أن ما بينه الله تعالى ونص عليه في كتابه من الأحكام – إنما هو لكل زمان ومكان ، لا يبطله تغير الزمان وتعاقب الدهر والأوان ؛ فالحجاب الشرعي بشروطه واجب على المرأة المسلمة لا يبطله تغير الزمان ، وغض البصر عن العورات واجب في كل زمان ذلك ، ومنع التلامس واختلاط الأجساد واجب على الرجال والنساء في كل زمان كذلك، واجتناب الخلوة بالأجنبية واجب في كل زمان كذلك ...الخ ما أوجب الله تعالى وحرم من تلك الأحكام. لا يبطل شيء من ذلك إلا بإكراه للمسلم على ترك شيء من ذلك إكراها يقع عليه منه ضرر عظيم لا يطيقه – في نفسه ، أو ماله ، ونحو ذلك. ومن ثم تعلم أن أمثال هؤلاء يهرفون بما لا يعرفون ؛ وأنهم إنما يتبعون أهواءهم ، قال تعالى" فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ" (القصص:51) ومن ثم فإن أمثال هؤلاء ممن يتبعون أهواءهم لا نعوِّل عليهم ، ولايعنوننا في شيء ،ومن ثم لن نطيل في جدالهم ؛ لأن الله تعالى قد أيسأنا من هدايتهم ؛ وإن كان سبحانه على هدايتهم لقدير ، وهو يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ؛ فإن شاء هدايتهم فلا راد لحكمه ، ولكن الله تعالى قد أمرنا أن ننفض أيدينا من أمثالهم ، وألا ننشغل بهم بعد أن نبين للناس ضلالهم فهؤلاء " إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى" (النجم:23) وقال تعالى:" أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ "(الجاثية:23) وقال تعالى:"أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا (الفرقان:44) ولذلك فنحن لا نتوجه بتلك الرسالة لهؤلاء وإنما نتوجه بها في الحقيقة لعقلاء أهل الفن وشرفائهم ، ممن يرون للفن رسالة حقيقية في الارتقاء بقيم الناس ، وإصلاح مجتمعاتهم. وهؤلاء العقلاء هم الذين ينفع معهم النصح ، ويجدي فيهم الوعظ؛ فهم الذين نرجو أن ينذروا أنفسهم لإصلاح الفن ، وتوجيهه الوجهة السديدة التي يحبها الله ورسوله ، وأن يكونا من جنس الشعراء الذين استثناهم الله من الذم في كتابه لالتزامهم بالإيمان بالله تعالى والعمل الصالح وا لانتصار لقيم هذا الدين الحنيف. فقال سبحانه :" وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ (226) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ "(الشعراء:227) ونختم بهذه الآيات التي نذكر بها أنفسنا وإخواننا الذين نذروا أنفسهم لاتخاذ الفن سبيلا يجاهدون به في سبيل ما يؤمنون به من قيم الدين ومبادئه العظام وينتصرون لها. وقال تعالى:" وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا (30) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا" (الكهف:31)